فصل: قال ملا حويش:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{نستنسخ} [29] ننسخ كقوله: (وإذا رأوا ءاية يستسخرون) أي: يسخرون. وقيل: نستدعي ذلك. أي: نأمر الملائكة بكتابته وحفظه. ليحتج عليهم بأعمالهم. كقوله: {بلى ورسلنا لديهم يكتبون}.
{فيدخلهم ربهم في رحمته} [30] استعارة ومجاز. لتجليل الرحمة لهم ودخو لهم فيها. وللمجاز ثلاثة أوصاف: الاتساع. والتأكيد. والتشبيه. وقد انتظم جميعها هذا اللفظ. أما الاتساع: فكأنه زيد في أسماء الجهات والمحال اسم هو الرحمة.
وأما التشبيه. فلانه شبه الرحمة- وإن لم يصح دخو لها- بما يجري مجرى دخو لها ووضعها موضعه. وأما التوكيد فلانه أخبر عن المعنى بما يخبر به عن الجوهر المتصور المحسوس. ومثل هذا الموضع في انتظام المعاني الثلاثة. قول الشاعر:
قرعت ظنابيب الهوى يوم عالج ** ويوم النقا حتى قسرت الهوى قسرا

وقول الآخر:
غمر الرداء إذا تبسم ضاحكًا ** غلقت لضحكته رقاب المال

وقول الآخر:
تغلغل حب عثمة في فؤادي ** فباديه مع الخافي يسير

فوصف الحب بالتغلغل من مجاوزة مكان إلى آخر. فيكون ذلك بتفريغ الأول. وشغل الثاني. وهو من أوصاف الأعيان لا الأحداث.
تمت سورة الجاثية. اهـ.

.قال الأخفش:

سورة الجاثية:
{وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آياتنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا أولائِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ مِّن وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ ولا يُغْنِي عَنْهُم مَّا كَسَبُواْ شَيْئًا ولا مَا اتَّخَذُواْ مِن دُونِ اللَّهِ أوليَاءَ ولهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}.
وقال: {وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آياتنَا شَيْئًا} ثم قال: {مِّن وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ ولا يُغْنِي عَنْهُم مَّا كَسَبُواْ شَيْئًا} فجمع لأنه قد قال: {وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ} [7] فهو في معنى جماعة مثل الأشيئاء التي تجيء في لفظ واحد ومعناها معنى [170 بـ:] جماعة وقد جعل {الذي} بمنزلة {من} وقال: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أولائِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} فـ(الذي) في لفظ واحد. ثم قال: {أولائِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ}.
{أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُواْ السَّيِّئَاتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمنوا وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ}.
وقال: {سَوَاءٌ مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ} رفع. وقال بعضهم: إنَّ المَحْيَا والمَماتَ للكفار كأنه قال: {أَمْ حَسِبَ الذينَ اجْتَرحوا السيئات أَن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات} ثم قال: {سواءٌ محيا الكفارِ ومماتُهُم} اي محياهم محيا سَوْء ومماتهم ممات سَوْء فرفع (السواء) على الابتداء. ومن فسر (المحيا) و(الممات) للكفار والمؤمنين فقد يجوز في هذا المعنى نصب السواء ورفعه لأن من جعل السواء مستويا فينبغي له ان يرفعه لأنه الاسم الا ان ينصب المحيا والممات على البدل ونصب السواء على الاستواء. وان شاء رفع السواء اذا كان في معنى مستوي لأنها صفة لا تصرف كما تقول (رأيتْ رَجُلًا خيرًا منهُ أَبُوهُ) والرفع أجود.
{وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُواْ أَفَلَمْ تَكُنْ آياتي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنتُمْ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ}.
وقال: {وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُواْ أَفَلَمْ تَكُنْ آياتي تُتْلَى عَلَيْكُمْ} أَي: فَيُقال لَهُم: (أَلَمْ تَكُن آياتي تُتْلَى عَلَيْكُم) ودخلت الفاء لمكان (أما).
{وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لاَ رَيْبَ فِيهَا قُلْتُم مَّا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِن نَّظُنُّ إِلاَّ ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ}.
وقال: {إِن نَّظُنُّ إِلاَّ ظَنًّا} مَا نَظُنُّ إِلاّ ظَنًّا. اهـ.

.قال ابن قتيبة:

سورة الجاثية مكية كلها.
10- {مِنْ وَرائِهِمْ جَهَنَّمُ} أي امامهم.
18- {ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ} أي على ملة ومذهب. ومنه يقال:
شرعت لك كذا. وشرع فلان في كذا: إذا أخذ فيه. ومنه (مشارع الماء) وهي: الفرض التي يشرع فيها الناس والواردة.
21- {اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ} أي اكتسبوها. ومنه قيل لكلاب الصيد: جوارح.
24- {وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ}: مرور السنين والأيام.
28- {وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً}: باركة على الركب. يراد: انها غير مطمئنة.
{تُدْعى إِلى كِتابِهَا} أي إلى حسابها.
29- {هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ} يريد: انهم يقرءونه فيدلهم ويذكرهم. فكأنه ينطق عليهم.
{إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} أي نكتب.
32- {قُلْتُمْ ما نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ} أي ما نعلم ذلك إلا ظنا وحدسا وما نستيقنه.
و(الظن) قد يكون بمعنى (العلم) قال: {وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها} [سورة الكهف آية: 53]. وقال دريد:
فقلت لهم ظنوا بألفي مدجج ** سراتهم في الفارسي المسرد

أي أيقنوا بإتيانهم إياكم.
33- قوله: {وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ}. هو مثل قوله: {وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [سورة الزمر آية: 47]. يعيرون انهم عملوا في الدنيا أعمالا كانوا يظنون انها تنفعهم. فلم تنفعهم مع شركهم.
34- وَقِيلَ: {الْيَوْمَ نَنْساكُمْ} أي نترككم. اهـ.

.قال الغزنوي:

سورة الجاثية:
13 {وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ}: من الشّمس والقمر والنّجوم والأمطار وغيرها. فكلها تجري على منافع العباد.
14 {لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ}: لا يطمعون في نصره في الدنيا ولا في ثوابه في الآخرة.
23 {اتَّخَذَ إِلهَهُ هواه}: لا يعصيه ولا يمنعه منه خوف اللّه.
29 {نَسْتَنْسِخُ}: نستدعي. نسخته أي: نأمر الملائكة بكتابه لنحتج به عليهم. اهـ.

.قال ملا حويش:

تفسير سورة الجاثية:
عدد 15- 65- 45.
نزلت بمكة بعد سورة الدخان عدا الآية 14. فإنها مدنية. وهي سبع وثلاثون آية وأربعمائة وثمانون كلمة. وألفان ومئة وواحد وتسعون حرفا. وتسمى سورة الشريعة وسورة الدهر.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ.
قال تعالى: {حم} 1 راجع ما قبله تجد معناه {تَنْزِيلُ الْكِتابِ} القرآن عليك يا سيد الرسل {مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} 2 لتبشر به المؤمنين وتنذر به الكافرين الذين يطلبون منك نزول الآيات {إِنَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لآيات} عظيمات دالات على قدرة القدير كافية {لِلْمُؤْمِنِينَ} 3 بها فلا حاجة لأنزال غيرها. لأنهم إذا أجالوا النظر وأنعموا الفكر فيها تزيدهم هدى ونورا إذا أرادوا الإيمان. والذين لا يريدونه لا تنفعهم كثرة الآيات لأنهم لا يستدلون بها على موجدها. فلا تزيدهم إلا عمى وضلالا. لأن فيهما {وَفِي خَلْقِكُمْ وَما يَبُثُّ} فيهما {مِنْ دابَّةٍ} صغيرة أوكبيرة ناطقة أو عجماء {آيات} أيضا لأن في هذه الدواب المختلفة الجنس والنوع والعقل والمعاش والفعل والتناسل دلائل كثيرة على الصانع المبدع {لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} 4 أنه الإله الفعال لكل شيء. أما الذين لا يوقنون فلوملأت لهم الأرض آيات لا يؤمنون لأنهم في غفلة عن ما يؤدي لفوزهم وخلاصهم {وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ} وما يحصل من تعاقبهما من ظلمة ونور. وزيادة ونقص. وطو ل وقصر بصورة منتظمة لا تنخرم حتى يأذن اللّه بخراب هذا الكون. آيات أيضا عظيمات دالات علي حكمة الحكيم لمن كان له قلب حي {وَما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ رِزْقٍ} غيث لأنه ينشأ عنه ومن هنا للتأكيد والتقوية راجع الآية 13 من سورة المؤمن المارة ويراد به هنا المطر للعلة نفسها هناك لأن أعظم الأرزاق هو الماء ومنه يتغذى ما يكون رزقا لجميع الخلق {فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ} التي هي معدن الأرزاق {بَعْدَ مَوْتِها} يبسها ويبس نباتها. وفيها الاستدلال على البعث بعد الموت. لأن الذي أحياها يحيي الموتى {وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ} يمينا وشمالا شرقا وغربا. وجعلها باردة وحارة ومعتدلة وشديدة كدرة وصافية لينة وعاصفة {آيات} عظيمات أيضا دالات على وجود الإله المغير لها المعبود بالحق وعلى نفي الأوثان العاجزة عن كل شيء {لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} 5 مراد اللّه في ذلك كله.
اعلم أرشدك اللّه أن في ترتيب هذه الآيات آيات أيضا لمن تدبرها وتفكر فيها. لأنه إذا نظر هذين الهيكلين الجسيمين علم بالضرورة أنه لا يقدر على صنعها إلا الرب العظيم فامن به. وإذا تفكر في خلق نفسه وكيفة تقلبها من حال إلى حال فنظر في أصل خلقه وخلق الحيوانات بالولادة والتو لد ومصيره ومصيرها ازداد إيمانا. وإذا استحد فكرته وراجع فطنته في الحوادث المتجددة ليل نهار وما يقع صباح مساء أيقن بأن لا فاعل مختار لهذه الأشيئاء إلا الواحد القهار. وإذا تدبر تصاريف الرياح وتقلبات الدهر واستدل بإحياء الأرض بالمطر بعد اليبس الذي هو بمثابة الموت لها على حياة البشر بعد موته لأن السبب واحد فيهما استحكم إيمانه وكمل يقينه وعقل الحكمة التي أرادها ربه من إيجاد الكون وأخلص للّه ففاز بخير الدنيا والآخرة. ولهذا ختم اللّه الآية الأولى بالمؤمنين. والثانية بالموقنين. والثالثة بالعاقلين. ومن اجتمعت فيه هذه الخصال الثلاث أفلح وفاز فاعقل هذا في الدنيا هداك اللّه لحكمته لتتوصل في الآخرة إلى فسبح جنته {تِلْكَ آيات اللَّهِ} الذي برأ كل شيء وأحسن خلقه وهداه لما فيه هداه. وقد أوجدها عبرة وعظة لأولي الألباب ليعقلوا معناها ويعرفوا مغزاها. {نَتْلُوها عَلَيْكَ} يا سيد الرسل {بِالْحَقِّ} الناصع بواسطة أميننا جبريل لتتلوها على قومك علهم يؤمنوا بها وإذا لم يفعلوا فقل لهم {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وآياته يُؤْمِنُونَ} 6 أي لا يؤمنون أبدا. إذ غلب على عقولهم الإفك. وحجب قلوبهم وسخ الإثم. وصم اذانهم رين التكذيب. وعمى أبصارهم غلوالشرك.
وهذه الآية التي عجب فيها الوليد فذكرها إلى قومه كما أشرنا إليه في الآية 28 من سورة المدثر في ج 1 فراجعها.
واعلم يا سيد الرسل أن من لم يؤمن بما نتلوه عليه من هذه الآيات المدللات له {وَيْلٌ} وهلاك كبيرِ {لكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ يَسْمَعُ آيات اللَّهِ تُتْلى عَلَيْهِ} فلا يلتفت إليها ولا يعتبر بها {ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا} يأنف عنها ويتجبر {كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها} لشدة عتوه وعناده. وثم هنا للاستبعاد وعليه قول جعفر بن عليه:
لا يكشف النعماء إلا ابن حرة ** يرى غمرات الموت ثم يزورها

{فَبَشِّرْهُ} يا سيد الرسل {بِعَذابٍ أَلِيمٍ} 8 توبيخا له وهذه البشارة على طريق التهكم والسخرية. لأن البشارة تكون في الأمر السّار. فإذا اقترنت بضدّه كان معناها الأنذار وأريد بها التقريع. قال تعالى: {وَإِذا عَلِمَ} بالتخفيف والبناء للفاعل. وقرأه بعضهم بالتشديد والبناء للمفعول. أي إذا تيقن هذا المستكبر {مِنْ آياتنا شَيْئًا} بسماعها منك {اتَّخَذَها هُزُوًا} وصار يسخر بها ويقرؤها على أضرابه ليضحكوا منها. لأنهم لا يفقهون معناها بسبب كثافة صدأ قلوبهم. وقد صدهم اللّه عنه لخبث طوبتهم وسوء نيتهم {أولئِكَ} الذين هذه صفتهم {لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ} 9 ثم بين نوع إهانته بقوله عزّ قوله: {مِنْ وَرائِهِمْ جَهَنَّمُ} ومن أمامهم أيضا لأن الوراء الجهة التي يواريها الشخص من خلف أوقدام. ومن كانت جهنم وراءه فهي قدامه حتما لأنه إذا زج فيها صارت وراءه. لأنها كانت أمامه {ولا يُغْنِي} يدفع ويمنع {عَنْهُمْ ما كَسَبُوا} شيئا في الدنيا من العمل لقبحه ولا من إخوانهم لأنهم أشرار مثلهم. ولا من المال لأنه من حرام. فلم يجمعه من حل. ولم ينفقه في سبيل اللّه. ولا من الأهل لأنهم كفرة. وعلى فرض إيمانهم فلا صلة بين المؤمن والكافر ولا تراحم البتة. وإذا كان لهم عمل طيب فقد كوفئوا به في الدنيا (ولا) يغني عنهم أيضا {مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أولياءَ} لأنها إن كانت أصناما فلا تضر ولا تنفع. وإن كانت الملائكة وعزير والمسيح فإنهم يتبرءون منهم. وهم لا يشفعون إلا لمن أذن اللّه بالشفاعة له ورضيها كما مرّ غير مرة. ولبحثها صلة في الآية 28 من سورة الأنبياء الآتية {ولهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ} 10 نزلت هذه الآية في النضر بن الحارث لأنه كان يشتري من أحاديث العجم ويتلوه على الناس ليشغلهم عن سماع القرآن ويحبذ لهم سماعها. والاستهزاء بالقرآن. قاتله اللّه الذي وهي عامة في كل من هذا شأنه ونزولها فيه لا يقيدها.
قال تعالى: {هذا} الكتاب المنزل عليك يا سيد الرسل {هُدىً} لمن عقله يهتدي به ورشد لمن استرشد به {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بآيات رَبِّهِمْ} هو عليهم عمى وضلالة {لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ} هو أشد العذاب في الآخرة كما أن الموت أشد عذاب الدنيا ولذلك يطلق عليه لفظ الرجز (أَلِيمٌ) 11 نعت للزجر على قراءة الجر. وللعذاب على قراءة الرفع. ثم عدد أفضاله على عبده بقوله عز قوله: {اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ} التي تركبونها وتحملون أثقالكم عليها {فِيهِ} في البحر {بِأَمْرِهِ} جل أمره لأنها تجري بالرياح. وهي لا تهب إلا بأمر اللّه والتي تجري بالمحركات كذلك بأمره. إذ لوشاء لما تحركت والتي بقوة البشر أيضا بأمره إذ لوأراد لأعجزهم {ولتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ} من ربح التجارة وزيارة البلدان والاجتماع بالإخوان واستخراج اللالئ {ولعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} 12 نعمه عند سيرها وبلوغكم مقاصدكم إذا كنتم لا تشكرونه دائما {وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ} من الكواكب وغيرها {وَما فِي الْأَرْضِ} من حيوان ونبات ومعادن لتنتفعوا بها {جَمِيعًا مِنْهُ} وحده وأنى لغيره شيء من ذلك لعجزه عن جزء بعض ما هنالك {إِنَّ فِي ذلِكَ} التسخير من حيث لا حو ل لكم ولا قوة عليه {لآيات لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} 13 في آلائه ومكوناته فيتعظون ويعتبرون. وهذه الآية المدنية قال تعالى يا أكرم الرسل {قُلْ لِلَّذِينَ آمنوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ} ولا يتوقعون وقائعه بأعدائه ولا يخافون انتقامه مع استحقاقهم إياه فالرجاء مجاز عن التوقع كما أن الأيام مجاز عن الحوادث واستعمالها شائع في ذلك {لِيَجْزِيَ قَوْمًا} أي المؤمنين وتنوينه للتعظيم ولفظ قوم يدل على المدح {بِما كانُوا يَكْسِبُونَ} 14 من العمل الصالح الذي من جملته العفو والصفح عمن يعتدي عليهم.
وسبب نزول هذه الآية على ما حكاه ابن عباس هو أن النبي صلى الله عليه وسلم نزل بأصحابه في غزوة بني المصطلق على بئر المريسيع. فأرسل ابن أبي غلامة ليستسقي فأبطأ عليه. فلما أتاه قال له ما حبسك؟ قال غلام عمر قعد على طرف البئر فما ترك أحدا يستسقي حتى ملأ قرب النبي صلى الله عليه وسلم وقرب أبي بكر. فقال ابن أبي لعلامة ما مثلنا ومثل هؤلاء إلا كما قيل (سمّن كلبك يأكلك) قاتله اللّه ما أخبثه وكلامه. ولكن الدنّ ينضح بما فيه. ويكفي أنه رئيس المنافقين الذين ماتوا على نفاقهم. فبلغ ذلك عمر فاشتمل سيفه يريد التوجه إليه. فأنزل اللّه هذه الآية.
وما قيل إنها نزلت في عمر رضي اللّه عنه حينما شتمه المشرك من غفار بمكة قبل الهجرة فهمّ أن يبطش به غير سديد. لأن الآية مدنية بالاتفاق كما علمت. ولأن المسلمين في مكة عاجزون عن البطش. والذي لا يقدر ينتصر لنفسه لا يؤمر بالعفو.